الانزياح التركيبي في الخطاب الروائي

 

الانزياح التركيبي في الخطاب الروائي


الانزياح التركيبي في الخطاب الروائي

الكاتب يقوم بايضاح عن موقفه و تصوراته في هذا الوجود، فنجده يختار لذلك ما يناسبه من الكلمات التي يرصدها و ينظمها و فق تركيب معين ،و يعرف بأنه:" تنضيد الكلام و نظمه لتشكيل سياق الخطاب الأدبي "[1].

التركيب هو عنصر مهم في بحث الخصائص الاسلوبية كدراسة الجملة و عناصرها مثل : المبتدأ و الخبر ،الفعل و الفاعل،و ذلك من خلال التقديم و التأخير ، و بحث البنية العميقة باستخدام النحو لمعرفة التحولات و الصياغات الجديدة التي تولدها لأنها الأسس التي تكون الأسلوب.

-1 التقديم و التأخير

الكــلام المفيد هو الاسناد أو ضم الكلمة الى الكلمة ليتكون نظما معبرا ، فان كل من المسند و المسند اليه ركنان  أساسيان في الجملة لا يمكن الاستغناء عنهما ،أما التقديم والتأخير قد يتغير الترتيب الأصلي للجملة فيتقدم ما حقه التـأخير ، و يتـأخر ما حقه التقديم وذلك لأغراض بلاغية ، كما ذكر الجرجاني في كتابه : " هو باب كثير الفوائد ،جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية ،لا يزال يفتر لك عن بديعه ،و يقضي بك الي لطيفة ؟، ولا تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ،و يلطف لديك موقعه ،ثم تنظر فتجد سبب أن راقك، و لطف عندك أن قدم فيه شيء و حول اللفظ عن مكان الي مكان "[2].

جـاءت هذه الظاهرة لخرق العادة و بها تعد ميزة جمالية ذات دلالة، أي يحكمها السياق من جهة ،و قدرة القارئ على مطاردة المعنى الغائب من جهة أخرى .

الكــلام إذا خرج عن قيود تركيب الجملة أي القاعدة الأصلية فهو اقل نحوية ، فيصبح أكثر انزياحا ، فان المبدع يعمد لمثل هذه التراكيب لجلب انتباه القارئ و دفع الضجر عنه ، وعدنا إلى رواية محمد رفيق طيبي لوجدنا أن ظاهرة التقديم و التأخير موجودة و بكثرة ، إما بما يجيزونه النحويون كتقديم  الخبر عن المبتدأ في مواضع التقديم و التأخير المتفقي عليها، وإما بما يحدثه الروائي من تقديم و تأخير - قد يكون فاسد- عن أهله أنفسهم .

1- تقديـم الـخبر علـى الـمبتدأ:

إن ما هو غني عن التعريف في الجملة الاسمية في اللغة العربية هي أنها تتكون من مبتدأ و خبر أي مسند إليه و مسند ، و في العادة و الغالب المبتدأ هو من يسبق الخبر والعلاقة بينهما هي علاقة إسناد ، أي أن المبتدأ هو المسند إليه أما الخبر فهو المسند ، فليس دائما هذا هو ترتيب عناصر الجملة فهو هنا حالات التقديم و التأخير .

2- تقديـم الفـاعل علـى الفعـل :

الجملة الفعلة لها ترتيب معين في عناصرها و التي تستهلها بالفعل ثم الفاعل فالمفعول به ، كما لها حالات أخرى من تقديم و تأخير مثل تقديم الفاعل على الفعل  و الذي اختلف  على جوازها بين مؤيد و معارض فالإعراب يختلف فهناك من يقوم بإعراب الفاعل المقدم على الفعل ب الفاعل المقدم و الفريق الثاني يقول بأنه مبتدأ ،و هذا ما ذكره مهدي المخزومي في كتابه " في النحو العربي نقد و توجيه " قائلا حسب رأى النحاة : " و لا ترى في تقديم الفاعل على الفعل محذورا ، إذا كان تقديمه يحقق غرضا اقتضاه الكلام ، وطلابته ملابسات القول و حال المخاطب "[3].

3- تقديـم شبـه الجملـة :

شبه جملة هي لا تؤدي معنى مستقل بذاتها بل تؤدي معنى  جزئ من الجملة ، و هي  في الأصل تتكون من جار و مجرور ،أو مضاف و مضاف إليه و أن تلحق الفعل والفاعل  لي تتمم معنى الفعل .و الكاتب في هذه الرواية استخدم شبه الجملة بكثرة الا أن ما يميزها هو تقديمها عن الفعل أو الفاعل أو كلاهما .

-2الحذف

اللغة العربية دائما ما تلجأ إلى التفنن في الأساليب التعبيرية ، و بذلك هي تراعي صناعة الكلام لمقتضى الحال ، و لهذا فهي تميل إلى الحذف ، إذا فظاهرة الحذف اللغوية تشترك فيها لغات العالم الإنسانية ، فهي واضحة وضوح الشمس في اللغة العربية ليست كغيرها من اللغات ، و تعد من الظواهر التركيبية التي تعتبر انزياحا عن الأصل ، حيث يكون هذا الحذف بحذف للحركة و الحرف و الكلمة و الجملة بين كل من الجملة الاسمية أو الفعلية ، كما عرفه الجرجاني بقوله :" هو باب دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسحر ، فانك ترى به ترك الذكر ، أفضح من الذكر ، و الصمت عن الإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، و أتم ما تكون بيانا إذا لم تبن "[4]و بهذا التعريف يكون باب واسع الجمال ، أما في تعريف على أبو المكارم للحذف فقال :" فالحذف عنده اصطلاح يتضمن حالة واحدة .و هي حالة إسقاط العامل مع بقاء المعمول على ما كان له من حكم إعرابي ، أي حذف العامل مع بقاء أثره الإعرابي "[5] ، و يعني بهذا التعريف حذف العامل مع بقاء المعمول ، و الأصل في الحذف على اختلاف  ضروبه أن يبقى في الكلام ما يدل على المحذوف تاركا بعدها الفراغ بين تركيب عناصر الجملة ، ليظهر دور القارئ في تقدير الحذف و الشعوري به ، و بهذا يكون الحذف ذا أسلوب بلاغي رفيع . كما أن له أغراض عدة نذكر منها :

1.    التخفيف

2.    الإيجاز و الاختصار

3.    الاتساع

4.    تحقير شأن المحذوف

5.    الجهل بالمحذوف

    من هنا نصل إلى عرض بعض الأمثلة المستخرجة من الرواية لدراستها و نبدأها  بحذف المبتدأ (الظمائر الذي يعود على المبتدأ ) وهي كالتالي :

1-  حـذف المبتـدأ:

الحذف يحاط بقواعد و شروط تنظم حدوثه و ذلك حسب كل نوع من أنواعه ، و كذا باعتباره ذا تقنية أسلوبية مشحونة بدلالات عدة لأن صور الحذف تتعدد في النحو العربي، فمنها حذف المبتدأ الذي يذهب إليه النحويون على أنه عماد الجملة الاسمية التي تقف تركيبها عليه ، لذا وجب عند حذفه ترك قرينة دالة عليه و قد صرح به علي أو المكارم قائلا : "يجوز حذف المبتدأ كلما أمكن إدراك معناه دون لفظه إذا استوفى الشرط "[6] .

2-   حــذف الفاعــل :

تكـثر بين النحويين الخـلافات في معظم قضايا النحو، فمن الممكن أن تجد عدة مقولات من مؤيـدين و معارضين في القضية الواحـدة خاصة في قضية الحذف ، و قد يعـمد المتكلم إلى حذف بعض العناصر اعتمادا على علم المخاطب السابـق بالمحذوف ، و قد أشار المبرد إلى ذلك في قوله :" فكل ما كان معلوما في القول جاريا عند الناس فحذفه جائز لعلم المخاطب "[7].

3-  حــذف أداة النـداء

النداء هو طلب إقبال المنادى أو جذب الانتباه و ذلك بإحدا أدواته ، كما يمكن في اللغة العربية أن تحذف أداة النداء و ذلك إن تم فهم الأسلوب من سياق الكلام ،إما للإيجاز في الكلام ، أو لقرب مكانة المخاطب ، أو للسرعة ،و منه فانه يجوز حذف حرف النداء اكتفاء بدلالة القرائن عليه [8]، كما يعلل هذا الحذف من قبل النحاة بأن النداء أسلوب يكثر استعماله ، فلذلك يكثر تعرض عناصره للحذف ، كذلك فان قرينة الحال تدل عليه ، بالإضافة إلى الاستغناء عن الفعل بما يقوم مقامه و هو حروف النداء [9].

4- حــذف جـواب الاستـفهـام

جواب الاستفهام هو الإجابة على طلب معرفة الشيء المجهول لدى الشخص السائل ، و ذلك يكون بأحد أحرف الإجابة وكتابة الجملة المراد تأكيدها أو نفيها ، كما أن أغلب الأشخاص يكتفون بالرد على السؤال بكلمة "نعم" أو" لا" و حذف الجملة التي تليها ، كما يجوز قياسا مطردا عند الإجابة بحرف  من أحرف الجواب ( نعم - لا - بلى - أجل ) أن تحذف الجملة اكتفاء بورودها في جملة السؤال ، كما يجوز أن تذكر [10].

الحذف يقدم جماليات التي تعين على الإيجاز و التنظيم ، لذا لقد حذف الكاتب أغلب الكلام عند الإجابة عن السؤال  في كل الأمثلة ففي المثال التالي تم طرح السؤال :" إنها قلعة بني حماد ألم تزرها من قبل؟ " ، و هكذا تمت الإجابة بـ: " لا " و الأصل أن يجيب ب :" لا ،لم أزرها من قبل " فقد تم حذف الفعل ها هنا و هو: " أزر" ، و أما في المثال "أحبك " وهي الفعل و الفاعل و المفعول به  و ذلك لأن أصل الكلمة هي (أنا يحبك ) ،فالضمير "أنا " اختصاره هو : "أ " و تعرب ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ،أما أحب هي في المضارع يعني أصلها "يحب" ، و تعرب فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على أخره ،و الـ" ك "ضمير متصل مبني على الفتح و هو في محل نصب مفعول به و الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ ، وكل هذا الحذف بغرض الإيجاز و الاختصار في الكلام و كذا تجنب الحشو، لأن الحذف كثيرا ما يعتري بعض عناصر جملة جواب الاستفهام اعتمادا على القرينة اللفظية في السؤال [11].


[1] - نور الدين السد،الأسلوبية و تحليل الخطاب،الجزء الأول،دارهومة،الجزائر،1997م،ص.186.

[2] - عبدالقاهرالجرجاني، دلائل الاعجاز، تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، ط3، مجلد الأول، مصر،1992م، ص.106.

[3] - مهدي المخزومي،في النحو العربي(نقد و توجيه)،دار الرائد العربية،الطبعة الثانية،لبنان،1986،ص.161.

[4] - عبد القاهر الجرجاني،دلائل الإعجاز،تحقيق محمود محمد شاكر،مكتبة الخانجي،مجلد الأول،القاهرة ،ص.146.

[5] -على أبو المكارم،الحذف و التقدير في النحو العربي،دار غريب للطباعة و النشر،ط1،مصر،2007،ص.202.

[6] -المرجع نفسه،ص.249.

[7] - طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف(في الدرس اللغوي)،الدار الجامعية للطباعة والنشر،ص.133.

[8] - طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف(في الدرس اللغوي)،الدار الجامعية للطباعة والنشر،ص.272.

[9]-المرجع نفسه ،ص.254.

[10] -المرجع نفسه،ص.291.

[11] - طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف(في الدرس اللغوي)،الدار الجامعية للطباعة والنشر،ص.261.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق