مراحل تطور أنواع الرواية العربية المعاصرة

مراحل تطور أنواع الرواية العربية المعاصرة



مراحل تطور أنواع الرواية العربية المعاصرة

     " الرواية تشكيل للحياة في بناء عضوي يتفق وروح الحياة ذاتها، ويعتمد هذا التشكيل علی الحدث الناس الذي يتشكل داخل إطار وجهة نظر الروائي وذلك من خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذي تدور فيه هذه الأحداث، علی نحو يجسد في النهاية صراعاً درامياً داخلية متفاعلة "  [1]
يجد النقاد الباحثون في جنس الرواية أن تطور الرواية مرّ بمراحل عدة بما أنها دخيلة على الأدب العربي فما زالت تتأرجح بين الرفض و القبول  حيث مازال هناك عيوبا على مستوى بنائها ، و هذه المراحل التي مرت تولّدت منها عدة أنواع وأقسام لنجد الرواية التعليمية ، الرواية التاريخية، الرواية الاجتماعية والرواية الفلسفية و الفنية وما إلى ذلك من أقسام أخرى:

1-       الرواية الفنية : 

    مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي بدأت تتشكل الرواية العربية وتأخذ سمتًا أكثر فنية و أصالة ، ووصلت إلى مرحلة تحاكي بها الروايات الغربية مع سعيها للمحافظة على روح الأصالة و العراقة العربية ، وكما سبق الذكر في نشأة الرواية العربية اعتبرت رواية " زينب " للدكتور محمد حسين هيكل أول نموذج لهذا الصنف الأدبي للعرب .
     ففي هذا الشأن يقول  ثروت أباظة : "إن رواية زينب كان الشكل فيها طيبا بسيطا لا تعقيد فيه, حتى البناء كان بسيطا والقصة في ذاتها رومانسية اتخذت أشخاصها من أهل القرية البسطاء"[2] ، فقد أخذت هذه الرواية الإبداع في الأدب العربي إلى نظرت جديدة ، لنجد أن الرواية الفنية تختلف عن غيرها في اتجاهها فهي لا ترتكز على الوهم أو الإسراف فهي تأخذ التجربة الشخصية و الحس الذاتي مأخذ الجّد ، فالرواية الفنية نثر لحياة واقعية، كامل في ذاته فهي لا يبني الروائي أحداثها على أسس يُرضي بها القارئ أو الهروب من الواقع إلى عالم خياليّ و ذكر الحوادث الغريبة العجيبة أو حتى الكشف عن أحاسيس الكاتب الخاصة ، " أيضا أن الرواية الفنية في بناء العقدة تعكس موقفا حضاريا و تحترم التجربة الإنسانية ، ولا تعتمد على الأساطير و التاريخ القديم " [3]، و من أبرز كتاب هذا الجنس الأدبي ممن تأثروا بالثقافة الغربية : ك" طه حسين " و " توفيق الحكيم " و عيسى عبيد" والمازني " و محمود تيمور  و إحسان عبد القدوس و يوسف السباعي " و الروائي "نجيب محفوظ " و غيرهم[4] ، وهذا الأخير نجد ثلاثيته تمثل رؤية جديدة أضافت عوالم أوسع ، ففي ستينات القرن العشرين أستخدم تقنيات أكثر إبداعية و تعقيدا ومزاوجة للمضامين الاجتماعية و مضامين فكرية و إنسانية و نفسية التي تطلبت شكلا روائيا أكثر فنية مما سبق زيادة على ذلك هزيمة 1967م ، كلها أدت إلى ظهور أنماط روائية جديدة فيها ثورة على الأساليب التقليدية في حبكة الرواية و الأبطال و السرد التاريخي ، و للأديب محفوظ إسهامات لا يمكن بأي حال إنكارها .
 و ظهر بعد ذلك روئ تحمل اتجاهات روائية معاصرة حداثية لروائيين عرب خرجوا من النمط التقليدي من بينهم: حنا مينا ، صنع الله إبراهيم ، ادوارد الخراط ، الطاهر وطار ... وغيرهم.

2- الرواية الفلسفية : 

هي ككل نوع روائي لها ما يميزها هو القضايا الفكرية أو الاجتماعية بحث لها ميزاته تنفرد بها بحيث يحاول الكاتب الجمع بين الأسلوب التشويقي القصصي والأفكار والمبادئ التي يحاول تجسيدها و بثها وعرضها في روايته .
قد حاول قديما بعض الكتاب التطرق إلى هذا النوع لنجد " ابن طفيل " في قصته الرمزية " حي بن يقظان " أن يجسد فكرته التي تتمثل في أن العقل البشري يمكنه الوصول الى التفكير السليم و الفطري دون تعلم أو نقل ، و نجد كذلك " رسالة الغفران " لأبي العلاء المعري فهي من القصص الرمزية الحاملة لفكرة فلسفية.

3- الرواية التاريخية:

 نجد هذا النوع من الروايات يصور الأحداث جرت في عهد من العهود أو واقعة تاريخية بأسلوب روائيّ مشوق مبني على معطيات تاريخية من غير تقيد مطلق بها ، فقد يكون هدف الروائي إحياء الماضي أو تمجيده ، وإذا ذكرنا الروايات التاريخية العربية نجد إنهم استمدوا موضوعات رواياتهم من تاريخ العرب و الإسلام ،ومن كتابها لدينا : جرجي زيدان [5] ومعروف الأرناؤوط ، حيث يُعّد الأديب اللبناني جرجي زيدان رائد الرواية التاريخية فقد كتب العديد من الروايات في تاريخ العرب و الإسلام و في التاريخ المصري الحديث والانقلاب العثماني وفي تاريخ التمدّن الإسلامي و تاريخ الآداب اللغة العربية...، و يقول أنيس المقدسي في كتابه " الفنون الأدبية و أعلامها :" و لا نعرف سلسلة من القصص التاريخية حظيت من إقبال الخاصة والعامة بما حظيت به هذه السلسلة. فقد مر على وفاة صاحبها ما يقارب نصف قرن وهي حية يقرأها الجيل بعد الجيل، وتجاوزت شهرتها العالم العربي فترجم بعضها إلى عدة لغات شرقية و غربية " . وأضاف قائلا "ويمتاز زيدان بأمانته التاريخية حتى أنه يبث فيها مصادره كأنه تاريخا لا رواية . أما أسلوبه فسهل يأنس به الجمهور ولا تنكره الخاصة". وكتب أيضاً "فزيدان مؤرخ أكثر منه صاحب القصة إلا أن ذلك لم يقلل من جاذبية رواياته وفائدتها وتأثيرها. ويحق لزيدان أن يلقب بإمام هذا الفن في أدبنا الحديث"[6]،و كما قال عبد المحسن طه بدر:" و تحوي كل رواية من روايات جورجي زيدان عنصرين أساسيين ، الأول عنصر تاريخي يعتمد على الحوادث و الأشخاص التاريخية، والثاني عنصر خيالي يقوم على علاقة غرامية بين المحبين"[7] ، و قد اعتبره المقدسي من أركان النهضة الأخيرة.
و كما سبق القول كذلك في الروايات التاريخية بعد "جرجي زيدان" لدينا الأديب السوري المعاصر " معروف الأرناؤوط " الذي أثرى المكتبة العربية بمجموعة من الروايات ذات الطابع التاريخي ك : سيد قريش ، عمر بن الخطاب ، طارق بن زياد ، وفاطمة البتول وغيرها [8]، ولكم ما يلاحظ على هذه الروايات النزعة العاطفية الشبيهة بالروايات الرومانتيكية، لنجده محاولا تصوير تلك البطولات التاريخية للجيل الحاضر تصويرا مشوقا مذكرا إياهم بماضيهم المشرق ودفعا لهم للهمّة خاصة أمام ما يحدث لأوطانهم أثناء تحكم الأغراب في مصائرهم .

4-  الرواية التعليمية :

تعد الرواية التعليمية من أهم الأنواع الروائية ففيها ترتكز جميع العناصر على إيقاظ الشعور والوعي التعليمي في المجتمعات فقد ظهرت في فترة الركود التي عاشتها مصر باعتبارها مركز البواكير الأولى لفن الرواية والأدب بصفة عامة ،بعد أن وضع بذوره رفاعه الطهطاوي في الفترة السابقة[9]،و فقد قام محمد علي بإرسال "  البعثات إلی أوروبا، ليقوم أبناؤها فيما بعد بمطالب الجيش، وللتدريس في تلك المدارس ... وقد تعددت البعثات وتنوعت... وهكذا كان أول لقاء عملي بين المصريين والثقافة الغربيّة في العصر الحديث ...فقد عاد هؤلاء المبعوثون بعلم جديد وعقليّة‌ جديدة إلی بلادهم ... وترجموا أو ألّفوا وخططوا بهذا ووضعوا أساس الثقافيّة الأدبيّة الحديثّة " [10] فهنا نجد أن الهدف من كل ما حصل هو التعليم و التثقيف لذا نجد الرواية التعليمية التي بعثت بذور الأمل و الرجاء في التقدم و الازدهار في مجال التعلم و الارتقاء به و تثقيف القارئ ، كما هو ملاحظ في روادها من حيث ما يقدموه من روايات من اجل ذات الهدف ، و كان الفضل في تقديم هذا الصنف من الأعمال إلى رفاعة رافع الطهطاوي ، يقول الدكتور طــه محسن البدر في كتابه  "تطور الرواية العربية الحديثة في مصر": ونعد (وقائع تليماك) أول مظهر من مظاهر النشاط الروائي في مصر في القرن التاسع عشر والهدف التعليمي واضح من مقدمته التي كتبها رفاعة علی الرواية المترجمة، وسماها ديباجة الكتاب ... و واضح أنّ رفاعة ترجم روايته لهدفين، الهدف الأول، تقديم نصائح للملوك والحكام والهدف الثاني، تقديم مواعظ لتحسين سلوك عامة الناس..."[11]،
ثم " قدّم فرح أنطون قصة في نفس الشكل كان مجالها المشاكل الاجتماعية واختار علي مبارك مجال الرحلة أيضاً لجهوده التعليمية في كتاب، "علم الدين" وكتابه أكثر جفافاً عن كتب الرحالة العرب القدامى وإن كان يتميز هو وفرح أنطون بأنّ رحلة كل منهما التعليميّة، ‌كانت رحلة متخيّلة ... وإن كان ذلك لا يميزها عن قصة "حي بن يقظان"، التي كانت أحداثها متخيّلة أيضاً.[12]،  كان علي مبارك يريد وراء تعليم العلوم ، محاولة المقارنة بين بعض العادات الشرقية و الغربية كذلك في كتابه.
 اقتصرنا في مبحثنا هذا على ذكر بعض الأنواع السابقة فقط لا على سبيل الحصر أو الأهمية فقد  ظهرت من دون هذه الأصناف الروائية روايات أخرى تحمل اتجاهات اكثر معاصرة، ومن سماتها أن الخطاب الروائي تجاوز المفاهيم التقليدية حول الرواية في عصورها الكلاسيكية أو الرومانسية أو الواقعية الجديدة فقد تمازجت أساليبها مع تداخلات العالم الخيالي والصوفي والواقعي والتاريخي، فجعلها أكثر تعقيدا و أغمق تركيبا.
وبهذا نجد الرواية المعاصرة قد وصلت  إلى دنيا النص المفتوح الذي يفضي إلى قراءات متعددة لا تصل إلى تفسير نهائي للخطاب الروائي كما كان الحال في الروايات السابقة.



 - [1]السعيد بيومي الورقي ، اتجاهات الرواية العربية المعاصرة، ط1، دار المعرفة الجامعية، مصر،  1982م ، ص.05.
[2]  - منتديات بحر العلوم الإسلامية ، الرواية العربية : ظهورها ومراحلها و أشهر كتابها ، 21 أكتوبر 2010
http://bahr.3oloum.org/t2212-topic.
[3]  - أحمد هيكل ،تطور الأدب الحديث في مصر ،ط2،دار المعارف ، مصر، 1994 ص 198.
[4]  - ينظر :  فاطمة موسى، الأعمال الکاملة فی الرواية العربية ،ط3،ج1،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1997 ،ص.  39 ،40.
[5]  - ويكيبيديا الوسوعة الحرة – أنواع الرواية .
[6]  - أنيس المقدسي، الفنون الأدبية و أعلامها في النهضة العربية الحديثة،ط6، دار العلم للملايين، لبنان،2000.ص. 516.
[7] - أحمد هيكل،تطور الأدب الحديث في مصر،ط6،دار المعارف،1994م،ص.195.
[8]  - ينظر :عبد المحسن  طه بدر،تطور الرواية العربية الحديثة ،ط3، دار المعارف ،1976 م ص.193،194.
[9] -أحمد هيكل،تطور الأدب الحديث في مصر،ط6،دار المعارف،1994م،ص.78.
[10] -المرجع نفسه،ط2،ص.27.
[11]  - أحمد هيكل ،تطور الأدب الحديث في مصر ،ط6.
[12]  -  محمد سيد عبد التواب،تقديم سيد البحراوي ،بواكير الرواية،ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب،مصر ،2007م، ص.54.






هناك تعليق واحد: