مفهوم الإنزياح لغة واصطلاحا وإشكالية تعدد المصطلح


مفهوم الإنزياح لغة واصطلاحا وإشكالية تعدد المصطلح

مفهوم الإنزياح لغة واصطلاحا وإشكالية تعدد المصطلح


يتطلب أي بحث أو دراسة علمية ممنهجة إلى استخدام مصطلحات خاصة ، والتي تعتبر مفتاح الأساس لكل من الباحث أو القارئ المتلقي للبحث ، أما مصطلح الانزياح فهو الأهم في بحثنا هذا و الذي سيكون قاعدة البحث و محوره ، لذا علينا ضبط مصطلحها و معرفة ما هو الانزياح ، لأن مفهومه الذي نحن بصدد الحديث عنه مفهوم موحد لعدة مصطلحات ، لذا اهتمت به الدراسات النقدية و الأدبية الحديثة باعتباره قضية أساسية وذلك بتشكيله لجماليات النصوص الأدبية .

و منه سنحاول رصد المفهوم اللغوي في بعض المعاجم العربية و كذلك المفهوم الاصطلاحي عند بعض الدارسين.

الإنزياح لغــــة :

مفهوم الانزياح يتحدد لغة في معجم أساس البلاغة على الجذر "ز-ي-ح" ،أزاح الله العلل ، و أزاحت علته فيما احتاج إليه ، و زاحت علته و انزاحت ، و هذا مما تنزاح به الشكوك من القلب [1] أي تبتعد .

و جاء في معجم الوسيط على أنه :" نزح "، نزحا، ونزوحا : بعد ،يقال نزحت الدار، والبئر قل ماؤها أو نفذ[2] .

أما في المعجم الرائد فقد جاء بـ :"انزاح انزياحا - (زوح ،ز-ي-ح)- الشيء زال ،انكشف "انزاح مرضه"،الشيء : تباعد ، انزح انزياحا ( ن زح )الشيء : أبعده

- البئر،أخرج ماءها حتى قل أو نفد [3].

     ومما سبق نجد أن كل من المعاجم الوسيط و لسان العرب و كذا الرائد لا تختلف في مفهوم الانزياح و كلها تصب في نهر واحد و البعد أي ذهب و تباعد عن موقعه  و كذلك أن مصدر المصطلح وهو الفعل " انزاح "  واحد.

الإنزياح اصطــلاحــا :

تعتبر ظاهرة الانزياح من أهم الظواهر التي يتميز بها الأسلوب الأدبي من رواية إلى غيرها،فهو يمنح لغتها خصوصية لأن أغلب النقاد الكبار يجعلون منها ظاهرة أساسية للبحث في خصوصية الأسلوبية للنص الأدبي ، و بهذا عند جمعنا لمفهومها الاصطلاحي من مختلف الكتب و جدنا أنها تدور في مقصديه واحدة و هي الخروج عن ما هو مألوف ،اذ يسمح للمبدع لتلاعب باللغة و الانزياح عن المعايير و القوانين التي تحكمها و التي من خلالها تحاول ضبط الخروج عن النمط المألوف من اللغة في ذاتها .

 كما أننا نجد السكاكي يربط بين معنى الأسلوب و خاصية أخرى في التعبير،هي الخروج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر بما يحويه من أفانين بلاغية [4]،كما أنه أطلق على هذه الخاصية بـ " الأسلوب الحكيم "،و ذلك بالتمرد على القوانين اللغوية بما يخدم المعنى .

أما في قضية النظم عند عبد القاهر الجرجاني فهو يرى في الانزياح :" سوى عملية خرق وتأليف ، أو عملية تأليف قائمة على الخرق ، أو محكومة بشروط الخرق ، بشروط خرق نظام النظم أو نظام العلاقة بين الأشياء و بشروط خرق الأشياء المنظومة أو المؤلفة نفسها "[5]، أي انه يرى الانزياح على أنه عملية عصيان يقوم بها الكاتب على القواعد اللغوية النحوية .

  و ورد نفس المفهوم للانزياح عند علماء الأسلوب مثل ليو سبيتزر الذي يعتبر الأسلوب "انحرافا فرديا بالقياس إلى قاعدة ما "[6]،و هو تحول أو الانحراف عن المألوف [7]، لهذا فلا يمكن الخروج عن المألوف إلا بوجود معيار ينزاح عنه أو الأصل الذي يعدل عنه، وعلى هذا الأساس نظر الأسلوبيون بتقسيم اللغة إلى مستويين :" الأول – مستواها المثالي في الأداء العادي، والثاني – مستواها الإبداعي الذي يعتمد على اختراق هذه المثالية و انتهاكها [8].

إشكالية تعدد المصطلح

تحديد المصطلحات ذا أهمية بالغة في مجال البحث العلمي،لأنه يعتبر نقطة انطلاق التي من خلالها نستطيع الوصول إلى تحديد دقيق المعارف و المفاهيم التي نناقشها، والانزياح يعتبر من المصطلحات الشائعة والمتداولة بين الدراسات النقدية والأسلوبية ،كما أن مسمياتها تعددت في الدراسات اللغوية و النقدية في العصر الحديث، وقد سبق هذا التعدد في الدراسات القديمة فقد أستعمل مصطلح الانزياح قديما بمسميات عدة منها :الصرف ،العدول، الانصراف، التلون،مخالفة مقتضى الظاهر،شجاعة عربية[9]، ولعل ما يلفت الانتباه في هذا المصطلح أنه من المصطلحات الغير مستقرة ،فتعدد المصطلحات قد تأدي بالقارئ الوقوع في شك أنه يتعامل مع مصطلحات متفرقة، إذا أورد عبد السلام المسدي في كتابه الأسلوبية والأسلوب بعض المصطلحات التي تعود على الانزياح و التي قام بتصنيفها حسب أوصولها الغربية[10] : 

 

المصطلح المعرب(العربي)

أصلــه الغـربــي

صاحبه

الإنــزياح

L’écart

فاليـــري

التجــاوز

L’abus

فاليـــري

الإنحــراف

La deviation

سبيتـــزر

الإختـــلال

La distorsion

وليـك/واريـن

الإطاحـــة

La subversion

بايتــار

المخالفـــة

L’infraction

تيــري

الشناعـــة

La scandale

بارت

الإنتـــهاك

Le viol

كـوهـن

خـــرق السنن

La violation des normes

تـودوروف

اللحـــن

L’incorrection

تـودوروف

العصـــيان

La transgression

أراجــون

التحريـــف

L’altération

العصـــيان

 

 مصطلح الانزياح الذي كان للمسدي الفضل الكبير في شيوعه بين الباحثين ونشره، إذ هو ترجمة لكلمة (L’écart) وهو مصطلح عسير الترجمة لأنه غير مستقر في تصوره [11]،و لهو مفهوم في التاريخ عند كل من العرب أو الغرب، في حين يرى الباحثون أن مصطلح العدول هو أفضل ترجمة لمفهوم écart، لأنه ذلك النوع من الاستعمالات غير العادية و غير المألوفة في ارتباطها بمفهوم العدول عن المستوى المألوف [12] ،و هذا ما رجح انتشاره في نقدنا العربي لأنه أقوى المصطلحات القديمة التي تعبر عن الانزياح .

يعتبر مصطلح الانزياح واسع الدلالة يمتد ليشمل كل مستويات اللغة، ليخرج عن النمط المألوف ليبتكر أساليب وصيغ جديدة ، و كذلك يعد انحراف Déviation عن نموذج أخر من القول [13]، و كذلك مصطلح الانحراف تداول أكثر من غيره ، و ذلك عندما  شاعت عبارة فاليري التي قال فيها :" إن الأسلوب هو في جوهره انحراف عن قاعدة ما "[14] ، و كذلك فالانحرافات التركيبية تتصل بالسلسلة السياقية الخطية للإشارات اللغوية عندما تخرج على قواعد النظم و التركيب [15]، لذلك نجد مصطلح الانحراف يتردد في الدراسات النقدية اللغوية الحديثة بصورة مكثفة على خلاف مصطلح العدول الذي تعود جذوره إلى الموروث النقدي العربي القديم ،أما عن باقي المصطلحات فهي لم ترقى إلى المستوى التي وصلت إليه المصطلحات الثلاث (الانزياح ، العدول ، الانحراف) مع أنها تحمل نفس المفهوم .

من الصعب تصنيف جهد البحث المتواصل في ظاهرة الانزياح سواء كان في التراث العربي البلاغي القديم ، أو الدراسات اللغوية الغربية الحديثة ،و خاصة إن مسالة المصطلح متداخلة ،فهناك من يعتبر الانزياح عملية خرق دلالي و كذا هناك من يعتبر مفهمومها أسلوب لغوي، و هناك من دمجهما أي اعتبر مفهوم الانزياح أسلوبي لغوي دلالي في الوقت ذاته أي انحرافا عما هو مألوف، إلا أن كل هذه المصطلحات تتفق حول مفهوم واحد و هو الانحراف أو العدول عن الأصل مفترض إلى استعمال خاص ، و هذا التعدد في الاصطلاح ليس لها معنى غير أن وعي الدارسين لامس ظاهرة الانزياح بوضوح.



[1] - أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري،أساس البلاغة،تح:محمد باسا عيون السود،الجزء الأول،ط1،دار الكتب العلمية لبنان،1998،ص.428.

[2] - مجمع اللغة العربية ،معجم الوسيط ، ط 4،مكتبة الشروق الدولية،2004م،ص.913.

[3] - جبران مسعود ،الرائد ، دار العلم للملايين ، ط 7،لبنان ،1992،ض.138.

[4] - محمد عبد المطلب  ،البلاغة و الأسلوبية ،ط1،مكتبة لبنان ناشرون،مصر،1994،ص.22.

[5] - عبد الواسع أحمد الحميري،شعرية الخطاب،ط1،المؤسسة الجامعية للدراسات ،2005،ص.85.

[6] -جون كوهن،بنية اللغة الشعرية،تر:محمد الولي،محمد العمري،ط1،دار توبقال،1986،ص.16.

[7] -حسن طبل،أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية،دار الفكر العربي،القاهرة،1998،ص.11.

[8] -المرجع السابق،ص.268.

[9] - حسن طبل ،أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية،ص.11.

[10] - عبد السلام المسدي،الأسلوبية و الأسلوب،ط5،دار الكتب الجديدة،لبنان،2006،ص.79-80.

[11] - عبد السلام المسدي،الأسلوبية و الأسلوب،ط3،دار العربية للكتاب،ص،162.

[12] - مصطفى عبد الهادي عبد الله،ظاهرة العدول في شعر المتنبي،المجموعة العربية للتدريب و النشر،ص.27.

[13] - سعد مصلوح،الأسلوب دراسة لغوية إحصائية،ط3،عالم الكتب،مصر،1992،ص.43.

[14] -صلاح فضل،علم الأسلوب،ط1،دار الشروق،مصر،1998،ص.208.

[15] - نفس المرجع،ص.211.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق