ظروف نشأة وتطور الرواية العربية


ظروف نشأة وتطور الرواية العربية


ظروف نشأة و تطور الرواية العربية 




الرواية عرفت كفن في الأدب الآداب الغربية، وعد جنسا أدبيا مع نهاية القرن السادس عشر الميلادي، و أما الرواية في الوطن العربي حديثة النشأة وتعود إلى مطلع القرن التاسع عشر للميلاد،وقد كانت  لمصرالريادة في هذا الميدان حيث استطاعت أن تشتغل بهذا الجنس الجديد ثم نبهت إلى ضرورة خلق مثله في مصر وفي العالم العربي.

1 -  الرواية في المشرق العربي نشأة وتطور :


قطعت الرواية العربية شوطا كبيرا في الأدب العربي –خاصة بمصر حيث ولدت- ويمكن القول أنها مرت بمراحل ، لعل المرحلة الأولى " كانت مرحلة ( المغامرة الفردية) وتضم  كل ما كتب من روايات في 1939م، أي حتى بداية الحرب العالمية الثانية ، وقد أثرت عالما و عربيا،أما المرحلة الثانية ، فإنها تبدأ بقيام ثورة يوليو 1952م، و أطلقت عليها مرحلة (التحول و الاستكشاف ) و تبقى مرحلة ما بعد1967م و هي مرحلة التجديد والاستمرار ..."[1]، فالمرحلة الأولى شهدت تجارب و محاولات : رفاعة الطنطاوي وعلي مبارك و حافظ إبراهيم و أحمد شوقي ،جل الروايات  صدر أواخر القرن الماضي وكانوا جميعا يحاولون تعليم القراءة ،" فالطنطاوي كان سابق عصره وزمانه متقدما في نظرته إلى السياسة والديمقراطية و المرأة والعلم اكتفى بنقل ما رآه في فرنسا إبان الثلث الأول من القرن الماضي ... "[2].
أما في عام 1914م كانت رواية ( زينب ) لمحمد حسين هيكل بالقاهرة و هي أول رواية غير تاريخية ،حيث يقول يحي حقي:" أن مكانة قصة "زينب" لا ترجع فحسب إلى أنها أول القصص في أدبنا الحديث ، بل إنها لا تزال إلى يومنا أفضل القصص، في وصف الريف وصفا مستوعبا شاملا[3]، وكانت تحمل هذه الرواية الكثير من الرومانسية و المغامرة الفردية و القدر الأكبر من الذاتية ، و الغريب أن هيكل لم يجرؤ علي أن يضع اسمه عليها " كما انه لم يطلق عليها لفظ رواية و لكنه نشرها على اعتبار أنها " مناظرة و أخلاق ريفية "بقلم ( مصري فلاح) و لم يفعل ذلك إلا بعد أربعين عاما على كتابته للرواية حين تقديمه لروايته الثانية ( هكذا خلقت)، وكذلك من رواد هذه المغامرة الروائية " محمود خيرت " في ( الكنز المصري 1932م) و محمد عفيفي شاهيب (ضياء 1929م) و محمد رضا ( القرش الأبيض 1939م) و غير ذلك مما لم يثبت في الميدان لضعفه فنيا و لعدم استقرار مؤلفيه في الكتابة ...[4] ، و يذكر بعض الدارسين أن  رواية محمود تيمور( رجب أفندي ) 1928م " على إنها رواية فنية و جاءت كردت فعل لكل من الرواية التعليمة و التسلية و الترفيهية، ومنه فإن كتّاب الرواية الكبار حاولوا اقتحام ميدان الرواية الطويلة و الأرجح أن روايتهم كانت مقصورة لذاتها معظمها دار في تلك ذواتهم أو حلق في أفاق خيالية رومانسية كما أن شروط الفن لم تكن متوفرة فيها كتب ، و إن كانت مضطربة قلقة ، و البعض يعتبرها جزءا من دوره الريادي .
نجد أن الرواية عند " طه حسين " تمثل ( صدأ أو الواحة ) تخلو فيها إلى الذات ذات نفسه كلما ضاقت به الحياة أو كلما ذاق هو بمشاكلها المختلفة، والرواية عند ( توفيق الحكيم) محاولة لنقل الشخصيات الجافة التي كانت تحمل أفكاره و شطحاته الذهنية كي تختلط بالقارئ ...وهي عند العقاد بصفة الديك التي لم يلد غيرها .."[5].
     إن رواية ( حواء بلا آدم ) لطاهر فقد تحولت الرواية على يده فهي تمثل مرحلة أكثر تطورا من الناحية الفنية إذا ما قيست بمحاولات تيمور عيسى عبيد ن بعد إن كانت مجرد عرض لمجموعة من الصور و المواقف [6] فقد التفتت ( حواء بلا ادم) بذكاء إلى التناقضات الطبقية وانعكاساتها في علاقات الناس و سلوكياتهم إذ تمثل رؤية اجتماعية .
وإن من أهم الكتب عباس محمود العقاد و الذي كتبه في الثلاثينيات من القرن العشرين وهي قصته الشهيرة في الحب لـ "سارة "و الذي كان في سنة 1926م[7]، حيث ادخل عليها عنصر التحليل النفسي، و لم يوقف العقاد تجربته في ميدان الرواية و ظل يتابع بعبقرياته التي كشف عن قدراته و موهبته فيها ..[8] ، وإذا انتقلنا إلى ( إبراهيم الكاتب ) 1931م[9] للمازني و هي  رواية اتصفت ببعض صفات السيرة الذاتية إلا أنها تحمل نقدا للعادات الاجتماعية و لم تكن ميزتها في السرد القصصي بقدر ما كانت في التشخيص .
لم يساهم المازني إلا بهذه الرواية و إن كان قد قدم ما يمكن اعتباره الجزء الثاني من هذه الرواية في روايته ( إبراهيم الثاني ) و هي لا تقدم لنا جديد فيما يتصل بتطور الرواية الفنية عما قدمه سابقا .
 أما كتاب "الأيام" لطه حسين فطبع الجزء الأول منه سنة 1929م[10] " لتسهم في تطور النثر الأدبي ، وكان لأسلوبها الرائق الواضح السلس أثر عظيم جعل منها تحفة فنية في الأدب العربي الحديث و قد كتبت بلسان الغائب مما أضفى عليها طابعا قصصيا "[11]
 إن كل الذين تمت الإشارة إليهم كروائيين مغامرين فردين لم يكونوا إلا كذلك و غلب على معظم رواياتهم جانب الإصلاح و التعليم و التوجيه و افتقادهم الإحكام الروائي من حيث البناء الفني .
 و مما لا شك فيه  أن تلك المرحلة بكل ما اتسمت به من طابع الفردية و النزوع الرومانسي و عدم النضج الفني قد مهدت الطريق – روائيا – لما صدر في الفترة ما بين 1939-1952م،وفي هذه الفترة بدا التحول الحقيقي نحو اعتبار الرواية فنا يمكن توفر جهود الكاتب عليه استنادا إلى تجارب سبقته على الطريق ، والى أسس ينطلق منها معاصروه من الكتاب و لم تنفصل الرواية بشكل أو بآخر عن تلك الظروف و العوامل المحيطة و لثورة 1952 و بالتحديد مع الإرهاصات التي سبقت الثورة ارتباطا عضويا  بالواقع ، و هذا ما يفسر لنا عدد المناحي و تباين الموضوعات و الأساليب الفنية و اختلاف رؤى الكتاب .. ، و لعل من أهم كتاب هذه المرحلة نجد أمثال عبد الحميد جودة السحار الذي كتب ( أحمس بطل الاستقلال) 1943 و أميرة قرطبة 1949 [12] ... و هي كلها روايات تاريخية ، و كذا نجد نجيب محفوظ الذي ساهمت رواياته مساهمة رهيبة حقا في عظمتها و تميزها " فعلى امتداد نصف قرن بما يزيد عن ثلاثين عمل روائي له،أنجز نجيب محفوظ أكير عمارة فنية شهدها تاريخنا الأدبي الحديث "[13]،  و قد أسهم بمجموعة من الروايات ك : عبث الأقدار 1939 ، رادويس 1943 ، كفاح طيبة 1944 و نجده ابدع في الروايات التي تحمل طابعا اجتماعيا ك : القاهرة الجديدة 1945م و خان يونس 1946م وزقاق المدق 1947م .... ثم يتوقف إلى ما بعد الثورة بأربع سنوات ليواصل الكتابة في هذا الميدان .
و كذا نجد بعد الثورة كتاب منهم :يوسف إدريس و صالح حافظ ، لطيفة الزيات ، إحسان عبد القدوس ، نوال السعداوي ، و محمد جبريل .. و غيرهم في مصر لنتجه الى بلاد الشام فنجد: صدقي إسماعيل في «العصاة» وغيرها، حيدر حيدر في «الزمن الموحش» و«وليمة لأعشاب البحر» .. عبد الكريم ناصيف في «الحلقة المفرغة» و«تشريقة آل المر».. في سورية، ونجد غسان كنفاني في فلسطين في( رجال تحت الشمس ) و( عائد إلى حيفا ).

2 - الرواية المغاربية نشأة وتطور:

أما الرواية في المغرب العربي أجبر كتابها على أن يكون بعضها بالفرنسية و بعضها الأخر بالعربية و هذا الأمر راجع إلى ما فرضه المستعمر من ثنائية اللغة ، لنجد رواية ما قبل الاستقلال وهي عموماً تفتقر إلى القدر الكافي من  النضج الفني، ورواية ما بعد الاستقلال التي تزدهر وتبلغ حداً جيداً من ذلك النضج  حيث أرجع بعض الدارسين نشوء الرواية في المغرب الأقصى تتحدد بسنة 1957م مع نص عبد المجيد بن جلون " في الطفولة "-أي  منذ الحرب العالمية الثانية-  وكذلك فعل عبد الكريم غلاب[14]،و كانت تتميز الرواية آنذاك بصور الصراع من اجل الحرية و الاستقلال ، وفي الستينات والسبعينات تكتمل  الرواية  فنياً، وتتناول هموم الناس وقضاياهم الاجتماعية والمعايشة ومشاكلهم الإنسانية المختلفة، و من أمثالها : أمطار الرحمة لعبد الرحمن المريني 1965 و دفنا المضي لعبد الكريم غلاب 1966 ....[15] ،و بالنسبة للرواية الجزائرية يعتبر واسيني الأعرج أهم الأصوات الروائية في الوطن العربي، أما رواية " غادة أم القرى للشهيد " أحمد رضا حوحو " أول عمل روائي مكتوب بالعربية في الجزائر و قال عنها أنها ظهرت " كتعبير عن تبلور الوعي الجماهير بالرغم من آفاقها المحدودة "[16]. و نجدها عند الكثير من الدارسين أنها الرواية التأسيسية للرواية العربية الجزائرية ، ولا يمكن تجاهل انعكاسات الثورة على الأدب الجزائري خاصة الرواية ليبرز عبد الحميد بن هدوقة و واسيني الأعرج ،وأكثر الأسماء الجزائرية شهرة وعطاء روائياً هو الطاهر وطار الذي يعّد واحداً من كبار كتاب الرواية الواقعية العربية، ومن أشهر أعماله  : الحب والموت في الزمن الحوعرس بغل والحوت والقصر و تجربة في العشق، وهذا لا يدل على أن الرواية توقفت عند هؤلاء ، بل واصلت مسيرتها إلى يومنا هذا مع العديد من الروائيين.
أما بالنسبة  للبداية الثانية للرواية التونسية في رأي الباحث السالف الذكر فهي نهاية الستينات وتجسدها رواية " الدقلة في عراجينها" للبشير خريف الذي يُعد أب الرواية التونسية الحديثة والمعاصرة[17].
 و نجد كذلك رشيد حمزاوي في ( مات بودوا ) و محمد صالح الجابري ( يوم في زمرا) وغيرهم ..، و إنه في الأخير لمن الخير أن تنفّذ الأساليب البيانية فيختار كل أديب ذلك الأسلوب والرمزية و التأثيرية و السريالية الذي يلائم ذوقه و ميوله و طبعه و من الخير أيضا أن تكثر المذاهب الأدبية مابين الرومنطيقية و الواقعية  ومن الخير أن يكون هذا الفيض من المؤلفات الأدبية غثها وسمينها وتافهها و جليلها  ففي ذلك كله اتضح الدليل على حيوية الإنسان ورحابة كيانه و بالتالي على حيوية الأدب و بالطبع هذا اللون نحتاج إلى ثقافة علمية تخصصية الى جانب ثقافة الكتاب الشمولية .
 ويبقى الأدب هو التعبير الجميل عن تجربة الإنسان وإحساسه بما يحيط به وانفعاله بأحداث الحياة على الصعيدين الفردي والجماعي .





سيد حامد النساج، بانوراما الرواية العربية الحديثة ،ط1،دار المعارف ،مصر،1980م،ص.  -[1]
-[2]شكري غالي،نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل،(دط)،دار الفرابي ،لبنان،1991م، ص. 140.
-[3]يحي حقي،فجر القصة المصرية مع ست دراسات أخرى عن نفس المهام،الهيئة المصرية العامة للكتاب،مصر،1987،ص.48.
[4] - ينظر: بانوراما الرواية العربية الحديثة،ط2،دار غريب للطباعة و النشر،2007، ص .35 .
[5] _ عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية الحديثة في مصر،ط2،دار المعارف،مصر،1968، ص، 37 .
[6] - المرجع نفسه، ص، 337 .
[7] - محمود خورسندي،محمد خاقاني أصفهاني،علي ضيغمي،سيد بكايي،تحليل بلاغي لأسلوب العقاد في خطاب كتاب"سارة"مجلة دراسات في اللغة العربية و آدابها،العدد13،2013م،ص.46.
[8] - ينظر: تطور الرواية العربية الحديثة في مصر، ص. 345 .
[9] - ينظر:حجاج سلامة،إبراهيم عبد القادر المازنيو سيرة حياته(جريدة)،عدد1798،مصر،17/01/2007.
[10] - ينظر:محمد شنوفي،تطور النقد المنهجي عند طه حسين،دكتوراه،2006،ص.44.
[11] - ينظر: بانوراما الرواية العربية الحديثة، ص. 41.
[12] - ينظر: المرجع نفسه، ص. 48.
[13] -سامي سويدان، مدخل إلى قراءة روايات نجيب محفوظ ،مجلة الفكر العربي المعاصرة ،عدد66-67، تصدر عن مركز الإنماء القومي، بيروت ، 1989 ص 65
[14] -بوشوشة بن جمعة ،اتجاهات الرواية في المغرب العربي ، المغاربية للطباعة و النشر و الإشهار،تونس ، ص. 34.
[15] - المرجع نفسه، ص .34.
[16] - واسيني الأعرج ، اتجاهات الرواية العربي في الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر،1986 .ص .18.
[17] - بشوشة بن جمعة ، اتجاهات الرواية في المغرب العربي .ص.29.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق