مفهوم الرواية في اللغة والإصطلاح



مفهوم الرواية في اللغة والإصطلاح


مفهــوم الـروايــة


ارتبطت الكتابة بالإنسان وتطورت وفق العوامل المحيط به التي ساعدت في ظهور أنواع كثير للكتابة مما أضفى عليها التنوع ومن أبرزها الرواية، أكد أغلب الباحثين من صعوبة بلورت مفهوم جامع و شامل للرواية لانها فن نثري غامض دلاليا لأنها أكبر الأجناس القصصية.

في هذا المقال سنحاول بلورت مفهوم للرواية لغة وإصطلاحا :


1 - لغــة:

     حين نعود إلى القواميس العربية المختلفة لتحديد مفهوم الرواية نجد أن هذه اللفظة تدل على التفكير في الأمر، وتدل على نقل الماء وأخذه كما تدل على نقل الخبر واستظهار.
* قال الجوهري رويت الحديث و الشعر رواية فأنا راو في الماء والشعر، من قوم رواة، ورويته الشعر تروية أي حملته على روايته، وتقول : أنشد القصيدة يا هذا ،ولا تقل أروها إلا أن تأمره بروايتها أي باستظهارها"[1]، ولقد جاء في المعجم الوسيط قولهم:" روى على البعير ريا:استسقى،روى القوم عليهم ولهم: استسقى لهم الماء، روى البعير ، شد عليه بالرواء : أي شد عليه لئلا يسقط من ظهر البعير عند غلبة النوم، روى الحديث أو الشعر رواية أي حمله و نقله،فهو راوٍ (ج) رواة، وروى البعير الماء رواية حمله ونقله، ويقال روى عليه الكذب، أي كذب عليه وروى الحبل ريا: أي أنعم فلته، وروى الزرع أي سقاه ، والراوي : راوي الحديث أو الشعر حامله وناقله،والرواية : القصة الطويلة . " [2]
فقد ورد في لسان العرب عن ابن سيده في معتل الياء روي من الماء بالكسر، ومن اللبن [3]يروي ريا ... ويقال للناقة الغزيرة هي تروي الصبي لأنه ينام أول الليل ، فأراد أن درتها تعجل قبل نومه ...والرواية المزادة فيها الماء ، ويسمى البعير رواية على تسمية الشيء باسم غيره لقربه منه ، والرواية أيضا البعير أو البغل أو الحمار يسقى عليه الماء ، والرجل المستقي أيضا رواية ... ويقال روى فلان فلانا شعرا إذا رواه له متى حفظه للرواية  عنه ، من خلال هذين التعريفين اللغويين نلاحظ أن المدلولات المشتركة للرواية تفيد في مجموعها عملية الانتقال و الجريان والارتواء المادي "الماء" أو الروحي "النصوص والأخبار " وكلا النوعين كان ذا أهمية في حياة العربي ، فلقد كان الماء هدفهم المنشود من أجلهم يحلون ويرتحلون، وكانت رواية الشعر الضرورة اللازمة لكل شاعر ، كما كانت الرواية الوسيلة الأولى لحفظ الأشعار والأخبار والسير.
ومن خلال هذه التعريفات نجد أنه لابد من إيراد التعريف أو المفهوم الاصطلاحي للرواية بصفتها جنسا أدبيا متفردا.

2- اصطـلاحـا:    

أشار الدكتور عبد المالك مرتاض في أمر صعوبة تعريف الرواية بكونها زئبقية المفهوم قائلا : " و الحق أننا بدون خجل و لا تردد نبادر إلى الرد عن السؤال بعدم القدرة على الإجابة " [4]،والسؤال الذي يعينه مرتاض هو ما هي الرواية ؟
    وقبله نجد "ميخائل باختين" يرى أن تعريف الرواية لم يجد جوابا بعد بسبب تطورها الدائم[5]، إن هذا اللون من الأدب بالإضافة إلى " قولدمان" : « يعيد النظر في كل الأشكال التي استقر فيها »[6].
صعوبة تعريف الرواية يستدعي منا ذكر بعض التعاريف لبعض الدارسين في هذا الصدد نذكر : من قال بأنها :" هي رواية كلية و شاملة و موضوعية أو ذاتية ، تستعير معمارها من بنية المجتمع ، وتفسح مكان التعايش فيه لأنواع الأساليب ، كما يتضمن المجتمع الجماعات والطبقات المتعارضة جدا"[7]،وعلى أنها فن نثريي تخيلي طويل نسبيا ، بالقياس إلى فن القصة "[8]، ونجد من  بأنها قال بأنها :" جنس أدبي يشترك مع الأسطورة و الحكاية .. في سرد أحداث معينة تمثل الواقع و تعكس مواقف إنسانية ، وتصور ما بالعالم من لغة شاعرية ، وتتخذ  من اللغة النثرية تعبيراً لتصوير الشخصيات ، والزمان والمكان والحدث يكشف عن رؤية للعالم "[9]، ويعرفها إدوارد الخراط بقوله :" الرواية في ضني هي اليوم الشكل الذي يمكن أن يحتوي على الشعر والموسيقى، وعلى اللمحات التشكيلية، والرواية في ضني عملا حرا، والحرية هي التمات و الموضوعات الأساسية ومن الصوان المحرفة اللاذعة التي تنسل دائما إلى كل ما كتب"[10]، وتقول لعزيزة مريدن عن الرواية :" هي أوسع من القصة في أحداثها و شخصياتها، عدا أنهت تشغل حيزا أكبر ، وزمن أطول ،وتتعدد مضامينها ، كما هي في القصة ، فيكون منها الروايات العاطفية ، والفلسفية والنفسية والاجتماعية والتاريخية."[11]
أما معجم المصطلحات الأدبية لفتحي إبراهيم نجده قائلا إن :" الرواية سرد قصصي نثري يصور شخصيات فردية، من خلال سلسة من الأحداث و الأفعال و المشاهد ، والرواية تشكيل أدبي جديد، لم تعرفه العصور الكلاسيكية الوسطى، نشأ مع البواكير الأولى لظهور الطبقة البرجوازية،وما صاحبها من تحرير الفرد من رقبة التبعات الشخصية." [12]
و أوردت في تعريف لها  الأكاديمية الفرنسية أنها :" قصة مصنوعة مكتوبة بالنثر، يثير صاحبها اهتماما بتحليل العواطف و وصف الطباع وغرابة الواقع" [13].
و نجد من عرف الرواية بأنها:" مجموعة حوادث مختلفة التأثير تمثلها عدة شخصيات على مسرح الحياة الواسع، شاغله وقتا طويلا من الزمن ، و يعتبرها بعض الباحثين الصورة الأدبية النثرية التي تطورت عن الملحمة القديمة." [14]
إستنتاجا مما سبق فالرواية هي تلك المرأة التي تعكس على صفحاتها كل مظاهر الواقع المختلفة ، وهي تجربة فنية منفردة باعتبارها ضربا من الخيال النثري مجسدا في إبداع الكاتب،وفيما يعالج موضوعا كاملا دون أن تنعزل عن القارئ ، الذي تتوجه إليه و قد ألم بحياة البطل و الأبطال في مراحل مختلفة ، والرواية تفتح مجالا واسعا يكشف فيه عن حياة أبطاله وما يصادفهم من حوادث عبر الوقت الروائي فهي أكثر الفنون الأدبية ارتباطا بالواقع و أشدها التصاقا بموضوعاته أو مشابهة له .



[1]  - ابن منظور : قاموس لسان العرب ، إنتاج المستقبل للنشر الإلكتروني ، بيروت ، إصدار عام 1995م ، برمجة و تنظيم طراف خليل طراف مادة "روي" نقلا عن طبعة دار صادر بيروت 1990 ص : 280.281.282
[2]  - إبراهيم مصطفى ، حامد عبد القادر، أحمد حسن الزيات ، محمد علي النجار – المعجم الوسيط – ج1 – المكتبة الإسلامية للطباعة و النشر و التوزيع – إسطنبول .ص : 384.
[3] -المرجع السابق،ص.340.345.
[4]  - مرتاض عبد المالك : الرواية جنسا أدبيا ، مجلة الأقلام ، وزارة الثقافة و الإعلام ، بغداد 1986 ، ص: 124
[5]  - باختين ميخائيل : الملحمة و الرواية ، ترجمة و تقديم : جمال شحيذ : كتاب الفكر العربي 3 بيروت 1982.ص 66.
[6]  - المرجع نفسه .
[7]  -العربي عبد الله – الإديولوجيا العربية المعاصرة – تر/محمد عثمان – دار الحقيقة – بيروت1970.ص:31.
[8]  - علي نجيب إبراهيم – جمالية الراية- ص36 نقلا عن أمينة يوسف : تقنيات السرد في النظرية و التطبيق،ط1-دار الحوار للنشر سوريا 1987ص21.
[9]  - سمير سعيد حجازي – النقد العربي و أوهام رواد الحداثة – مؤسسة طيبة للنشر و التوزيع – القاهرة- ط 1/2005 ص : 297.
[10]  - إدوارد الخراط، الرواية العربية واقع و آفاق،ط1، دار ابن الرش، 1981م،ص303-304.
[11]  - عزيزة مردين ،القصة و الرواية ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر، 1971، ص. 20.
[12]  - فتحي إبراهي، معجم المصطلحات الأدبية، المؤسسة العربية للنشر المتحدين ، تونس، 1988ص 60-61 ، نقلا عن صالح مفقودة ، صورة المرأة في الرواية الجزائرية،رساله ماجستير، جامعة منتوري قسنطينة،2001-2002،ص 30.
[13]  - مصطفى الصاوي الجويني،في الأدب العالمي القصة، الرواية والقصة و السيرة، منشأة المعارف الإسكندرية 2002،ص. 13.
[14]  - أحمد أبو سعد ، فن القصة،ج 1 ، منشورات دار الشرق الجديدة ،1959، ص.25.

هناك تعليقان (2):