رؤية إلى العناصر الروائية الأدبية

رؤية إلى العناصر الروائية الأدبية



رؤية إلى العناصر الروائية الأدبية


طغيان فن الرواية والولع بيها في القرن الواحد والعشرين ومازالت تضمن  ترشحها للبقاء و الإستمرارية للقرون القادمة كشكل أدبي جمالي فظلا عن أنها من أهم الأساليب القصصية وهي العالم الغير محدود من التخيل مما صار البحث في طبيعتها والعناصر المضمنة لها أساس نجاحها. فما هي عناصر الرواية؟
في هذا المقال سنحاول عرض عناصر الرواية بالتفصيل :

1- الروي:


يعتبر الراوي هو السارد لأحداث الرواية، حيث يتكفل بنقل الوقائع للمتلقي عن طريق السرد، و السرد هو:(( فعل لا حدود له يتسع ليشمل مختلف الخطابات سواء كانت الأدبية أو غير الأدبية ))[1]، مع العلم أن السرد في كل الأنوع و الأجناس الأدبية حاظر، فهو يحول بين القراء و العالم الروائي ، فمن الممكن أن يكون الراوي هو صاحب الطابع الشخصي للرواية التي من خلالها يطورها كاتب القصة لإيصال المعلومات إلى القارئ، فقد يكون الراوي صوت وضعه المؤلف بإعتباره مجهول المصدر، و قد يعتبره مشاركا مع الشخصية الرواية، ومما سبق نرصد نوعان للراوي :

أ)- الراوية المحايد: وهو الراوي الخفي، أو غير ظاهر،ولكن يعرف جميع ما يدور في خلجات الشخصية، وما يدور في عالم الرواية بدقة، وهذا النوع من الرواة إستخدمه نجيب محفوظ في روايته " بين القصرين "[2].

ب)-الراوية المشارك: وهذا النمط يقوم بدورين الراوي والشخصية في آن واحد، وهناك إشتراك أو تداخل بين كل من الراوي وأحد الشخصيات (في أغلب الأحيان تكون الرئيسية) لذلك يتشكل المنظور من الرؤية مع أن الراوي والشخصية متساويان في العلم بكل التفاصيل المبنية عليها قضية القصة، وهذا الشكل من أشكال السرد يعد أقرب إلى أدب الإعتراف مما يضفي على النص قدرا من الشاعرية المتدفقة[3].

2 - الشخصية :

تمثل الشخصية المحور الذي تدور حوله أحداث الرواية، فهي تشكل منه عقدتها، لذا تعد من أهم الركائز الفنية المؤسسة لبناء النص الروائي، و يقول حامد حقي داود:" أن الشخصية هي التي تؤثر و تتأثر في العمل الروائي .. "[4] و التي تتلاحم مع باقي العناصر الأخرى، لتكتمل بها اللوحة الفنية للرواية، فصلتها مع العناصر الأخرى من حدث و لغة و فضاء ووثيقة ومتداخلة، حيث يمكن لنا من خلال اللغة إن نستشف الإنتماء والثقافي و الإجتماعي و الظروف النفسية المحيطة بالشخصية، فالشخصية هي مجموعة من الصفات و السلوكات ناتجة عن تمايز بينها و بين شخصية أخرى و "أن تميز شخصية ما هو غعطاؤها الصفات التي من المفروض أن يكون الشخص الذي تمثله في الواقع يتصف بهذه الصفات، معنى ذلك إن تمنح للشخصية الصفات المعنوية والجسمية لشخص الذي تجسده، و عادة نجد أن الشخصية تملك لقبا، و في بعض الأحيان اللقب يحمل بمفرده شحنة و دلالة رمزية مكثفة "[5]، كما ترتبط الشخصية بالحدث لما أصبح كل تغير في موقف الشخصية، و كل تصرف من التصرفات يؤدي تطور الحدث إلى تغير موقف الشخصية[6]، وتتنوع حسب الدور الطيبة منه و الشريرة ، فالشخصية تعد من العناصر التي لا يمكن أن تتم دراسة هذا الجنس الأدبي دون الوقوف عليها، لأنها تمثل إحدى الركائز التي تتكىء عليها الدراسة في تناولها للرواية العربية إلا أنها لم تنل هذا القدر من الإهتمام في القديم لأن الحدث أخذ كل العناية.

3 - العقدة أو الحبكة: 

وهي بداية الصراع الذي يخلق الحركة و تقدم أحداث القصة[7]، وكذلك تمثل عنصر الإثارة والتشويق في الرواية ويشكل هذا العنصر الهيكل الذي تقوم عليه الرواية، وتتابع من خلالها الأحداث تدريجيا غلى نهايتها عبر عدة خطوات :

    أ)- تصاعديا: و تبدأ القصة بحدث ما إما أن تكون بـ: إبتلاء أو زلة ...إلخ، ثم تتطور حتى تصبح القصة حياة متدفقة الحركة و مفعمة النشاط، تسير وفق حركة طبيعة متجنبة السرعة و البطء.
   ب)- عقدة العقدة: و هي إنغلاق الحلول في وجه البطل تماما، و تتعطل و تفسد جميع مقومات المادية و العقلية و الجسدية.
   جـ)- حل العقدة: يستشف البطل بعض أبواب الحلول التي كانت مستحيلة من خلال شخصيات أو ظروف، و هي تعتمد على ما يمتاز البطل به من علم أو عمل أو قوة أو صدق أو إخلاص...إلخ، و معظم العقد تحل بسبب لجوء البطل لله، لأنه أقوى وأحسن وأجل منا و من البطل.

4 - الزمن : 

الزمن هو أحد مكونات العمل الروائي، لأنه يلعب دورا مهما في سير الرواية، وكذا " محور الرواية وعمودها الفقري الذي يشد أجزاءها، كما هو محور الحياة ونسيجها،والرواية فن الحياة، فالأدب مثل الموسيقى فن زماني، لأن الزمان هو وسيط الرواية كما هو وسيط الحياة "[8]، وأبرز من اهتم بالزمن في الرواية هم أعلام المدرسة الشكلانية،أما جيرار جنيت فتقف مقولة الزمن عنده على ضرورة التفريق بين كل من زمن القصة وزمن الرواية بما هي نص له زمنه الخاص؛ إلى هو زمن فني مفارق للزمن العادي،ومغاير لخطيته، فهو زمن تقني يتحكم فيه السارد لغايات جمالية وهذا التغيير بين كل من زمن الدال و زمن المدلول هو ما يدعوه جنيت المفارقات الزمنية[9] لأننا نجد في الرواية أحداث كتبت في بضعة أسطر و في الحقيقة هي حدثت في أيام أو شهور أو حتى سنوات، و إن "تغير الأحداث هو الذي يشعرنا بالزمن فالزمن هو عنصر مهم فهو "في الاصطلاح السردي مجموعة من العلاقات الزمنية بين المواقف و المواقع المحبكة و عملية الحكي، وبين الزمان و الخطاب المسرود و العملية السردية "[10]،لذا فالرواية تقف علي تقنيات بناء الزمن : (الترتيب الزمني،الديمومة ).

5 - المكان :

المكان في الرواية هو من صنع خيال المؤلف أي أن " المكان الروائي و هو اللفظي المتخيل أي المكان الذي تصنعه اللغة خدمة للتخيل الروائي"[11]، و منه  المكان  يعتبر مكونا محوريا في بنية السرد، بحيث لا يمكن تصور حكاية بدون مكان محدد، و لا يمكن لأحداث خارج مكان أن تكون حكاية، ذلك أن كل حدث يأخذ وجوده في مكان محدد و زمان معين[12]، و جل الباحثين في مجال النقد الأدب يتفقون على أن المكان الروائي هو مكان قائم بذاته له مقومات و خصائص تجعل منه العمود الفقري للرواية،لذا لا بد من الكاتب القيام بوصف المكان بحذافيره لكي يستطيع القارئ الغوص مع الأحداث و يمثلها في خياله كأنها حقيقة.

6 - الفكرة أو الموضوع : 

وهي لبنة الأساس لأي عمل أدبي ففي الفكرة يكمن سر عظمة الرواية و استمرارها أو العكس ، فالفكرة هي الدافع وراء الكتابة والرغبة في استعمال القلم ونجد كل الـعناصر الروائية تحت أمر الفكرة ، فقد تتحرك الخيوط الروائية في نسيجها العام لتكوّن اللوحة العامة للفكرة الرئيسة ، أحيانا يكون الـهدف من البناء الروائي هـو بث لفكرة ما فيتخذ الـروائي من شخصياته ما يـمثل تلك الفلسفة داخل إطار الـشخصية وعلاقتها  بغيرهـا  وصراعها الفكري.

7 - الحوار:

الحوار ما هو إلا الكلام الذي يقال على لسان الشخصيات كما يمكن أن يكون مع نفسه، كما يعرف الحوار بأنه " محادثة بين شخصين وهو جملة من الكلمات تتبادلها الشخصيات و يكون ذلك بأسلوب مباشر خلافا ملاقط التحليل أو السرد والوصف هو شكل أسلوبي خاص يتمثل في جعل الأفكار المسندة إلى الشخصيات في شكل أقوال"[13]، حيث يمثل في الرواية الجدار الذي يستند عليه العمل في الرواية، و ينطق عبرها الشخوص بكل اللغات و المفردات، فتكلم الشخصية في الحوار بلغتها الخاصة معبرتا عن وجهة نظرها للأحداث وإنفعالاتها وكذلك تاريخها، تفرض على الراوي الصمت،ويبقى الحوار أداة فنية في الرواية سواء حسن التركيب و سهل القول فيها أو إتسم بالزخرفة.




[1] -سعيد يقطين،الكلام و الخبر(مقدمة للسرد العربي)،ط1،المركز الثقافي العربي،المغرب،1997،ص.19.    
[2] ولاء أبو داود،عناصر الرواية،29/03/2016.    
[3] -طه وادي،الراوي :النمط و الوظيفة،مجلة الجسرة الثقافية،العدد04،11/07/2010.
[4] -حامد حقي داوود ،تاريخ الأدب الحديث، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص. 103.
[5] -قيسمون جميلة،الشخصية في القصة(مقال)،مجلة العلوم الإنسانية،العدد13،2000م،جامعة قسنطينة،ص.196.
[6] -عبد المحسن طه بدر،تطور الرواية العربية في مصر(1870-1938)،دار المعارف،مصر،1963م،ص.198.
[7] - الموسوعة الحرة وكيبيديا، رواية_(أدب) 
[8] -مها حسن القصراوي،الزمن في الرواية العربي،ط1،المؤسسة العربية للدراسات و النشر،لبنان،2004.
[9] -ينظر: محمد القاضي، تحليل النص السردي،دار الجنوب للنشر،تونس،1997،ص.49.
[10] - عبد المنعم زكريا القاضي ،البنية السردية في الرواية ،عين للدراسات و البحوث الإنسانية و الاجتماعية،مصر، 2008م، ص. 103 .
[11] -مصطفى الضبع،إستراتجية المكان:دراسة في جماليات المكان في السرد العربي،1998،ص.75.
[12] -ينظر: محمد بوغرة، تحليل النص السردي(تقنيات و مفاهيم)،ط1،منشورات الإختلاف، الجزائر،2010،ص.99.
[13] -قسومة الصادق،طرائق تحليل القصة،دار الجنوب للنشر،تونس،2000م،ص.212.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق